الوحيدة التي أحببت
بقلم: هاني أبوالقاسم
بعد أن عشت في كراتشي، لم أعد أطيق المدن وأصبحت من عشاق الريف، عملت في الهفوف، السعودية. وحينما هممت بالانتقال إلى بريطانيا، حرصت على أن كون في بلدة صغيرة في الريف الانجليزي، الحقيقة أن واريك Warwick بلدة جميلة جدا.
ادنبرا هي المدنية الوحيدة التي أحببت، وقعت في غرامها من أول نظرة. عندما وصلتها كان الليل يسدل ستره، كانت ترتدي فستان سهرة غاية في الأناقة، ليس من باب المبالغة، لكنها مدينة جذابة حقا، كنت حينها في زيارة عمل ليوم واحد.
استيقظت باكرا رغم أن موعدي كان بعد الظهيرة، تسابقت مع الشمس لرؤية معالم المدينة قبل أن تمحو كحل ليلها. من حسن حظي أن الفندق كان في وسط المدينة تماما، على بعد خطوات كان تمثال ديفيد هيوم يتمنى لي يوما سعيدا. خطر في بالي حينها إيمانويل كانط عندما قال "أيقظني هيوم من سبات الجمود الفكري" تذكرت أيضا تلك اللحظة التي اكتشفت فيها هيوم عندما شرح جاستين قاردر كيف تمكن هيوم من فصل الإدراك أو الوعي من العلم ليعطي تجريبية جون لوك بعدا جديدا، كنت مذهولا في ذلك الوقت، تماما كما ذهلت في تلك اللحظة التي كنت أرى فيها الماضي والحاضر والمستقبل حيثما نظرت في هذه المدينة الرائعة. عرفت حينها كيف ألهمت ادنبرا كاتبة هاري بوتر، رولينق، ثالث أفضل الكتب مبيعا في تاريخ البشرية. يجب أن أعترف أنني لم أقرأ كتبها ولم أشاهد سلسلة أفلامها السحرية.
أنهيت عملي وكان أمامي 6 ساعات لرحلة العودة، قررت أن أتجول، توقفت على الجسر الشمالي لوسط المدينة، حيث يمكنك أن ترى قلعة ادنبرا التاريخية وجبال هوليرود الخضراء وبحر الشمال ومعالم الحضارة الحديثة في مشهد واحد من نفس المكان، كان هذا جنونا يؤكد ما قاله هيوم أن عقل الإنسان (إدراكه) لا يمكن أن يكون انعكاسا للحقيقة المطلقة.