لماذا يفشل السودانيون
بقلم: هاني أبوالقاسم
الفرق بين سوريا واليمن من طرف والسودان في الطرف الآخر ، هو أن السودان حظى بتغيير في حكومته أدى لحكومة انتقالية مختلطة بين المدنيين والعسكر. أي أن الثورة السودانية حافظت على وجود الدولة في بدايتها، بينما سقطت الدولة في بدايات ثورة اليمن وكذلك في مناطق الثوار في سوريا.
إلا أن السودانيون عوضا عن تحقيق الهدف الذي مات دونه شهداؤهم؛ بناء دولة الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية والتقدم والتعليم والصحة والتنمية وفرص العمل، أصبح الهدف الجديد هو الانتقام للشهداء، حتى وان أدى ذلك لموت كل الشعب (يا نجيب حقهم يا نموت زيهم). وعوضا عن تحقيق الهدف الذي من أجله أسقطت حكومة الاخوان، أضحى الهدف هو تصفيتهم.
ما يحدث اليوم هو نتيجة لكل صراعات السودانيين ، عسكرهم، جنجويدهم، أحزابهم، ولجانهم الثورية، بل حتى أنت أيها القارئ لعبت دورا فيه. لا يمكن أن ننظر إلى حرب اليوم أنها نتيجة غباء رجلين فقط ولا يمكن أن ننظر إليها أنها مجرد تدبير فلول النظام المُباد. في مقولة منسوبة لإدموند بروك، يقال فيها "عندما يجتمع الأشرار، يجب أن يتحد الصالحون بذكاء ؛ وإلا فسوف يسقطون ... في صراع ينتصر فيه الشر". استخدام عذر الفلول هو في الحقيقة اعترافٌ بفشلٍ صريح، عند أخذ عبارة بروك في الحسبان، حينها لا يمكن لوم الفلول، بل على السودانيين الكف عن إيجاد الأعذار التي يعلقون عليها فشلهم المتكرر عبر تاريخ دولتهم وأن ينخرطوا في تحليل خطأهم عندما لا تسير الأمور وفق ما يريدون.
قراءة تشخيصية للإتفاق الإطاري بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والقائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان
بقلم هاني أبوالقاسم
حمدوك ربما هو السياسي الفاعل الوحيد في تاريخ السودان الذي يعي أن مهمته كسياسي هي البناء لا الهدم والإسقاط. هو ذكي بما يكفي أن يتوقع خسارة جماهيرية جراء التوقيع، لكنه مخلص بما يكفي لأن يعي أن جماهيريته لا تسوى شيئا أمام حياة مواطن واحد يفقد حياته، لذا كان حقن الدماء هو الموجب الأول لديه للتوقيع. في تقديري حمدوك بدأ المفاوضات بمطلب إزاحة العسكر والدعم السريع من المشهد ليقبل بالعودة، لكن في التفاوض، الطرف صاحب الخسارة الأكبر هو من يقدم تنازلات في السياسة الذكية، وخسارة مزيد من الأرواح، حتما أكبر من أي انتصار سياسي أو انتقام.
علاقة الدين والدولة في الطرح العابر للأيدولوجيات
بقلم هاني أبوالقاسم
تختلف الأحزاب البرامجية عن غيرها في أنها تطرح برامج معينة تسعى إلى تنفيذها ولا تدعي امتلاك إجابات لكل الأسئلة المطروحة، ولا تطرح نظرة شمولية يمكنها الإجابة على كل الأسئلة الفلسفية والنظرية، والنقطة الأخيرة هي أكثر خصوصا عندما يكون الحزب عابر للأيدولوجيات.
ينبغي هنا أن نشير إلى أهم فرق بين مفهوم البرامجية ومفهوم عبور الأيدولوجيا بوضوح، فالحزب البرامجي يمكن أن يستند على أيدولوجية معينة تسيّر أو توجه برامجه لكنه يسعى إلى تطبيق برامج معينة من وحي أيدولوجيته ولا يسعى بالضرورة إلى قيادة الدولة بكل أدواتها حسب أيدولوجيته. بينما المنظومات العابرة للأيدولوجيا تعي الاختلاف بين أطروحات الأيدولوجيات المختلفة وتتقبل هذا الاختلاف في إطار ضمني، غير اقصائي ولا تتبنى أي منها بشكل مؤسسي بل تبني برامجها حسب ضرورات الواقع، مستهدية بشكل رئيس بالحوار، داخليا ضمن مكوناتها وخارجيا في المجتمع ككل عبر إشراك أصحاب المصلحة والمختصين.
اِقرأ المزيد: علاقة الدين والدولة في الطرح العابر للأيدولوجيات
مزيد من عبور الأيدولوجيا
بقلم: هاني أبوالقاسم
أن يصفك اليمين باليسارية في ذات الوقت الذي يصفك فيه أنصار اليسار باليمينية يشير إلى الاستقطاب الحاد بين الطرفين ويشير إلى عدم تمكن أي منهما، بسبب تصلب الجذور الفكرية، من تقبل احتمال وجود مسار؛ بل مسارات أخرى. وعندما يفهم البعض أننا كعابرون للأيدولوجيا ندعي أنه يمكن للسياسة أن تفك ارتباطها بالأيدولوجيا، الأمر المستحيل بطبيعة الحال، فذلك قصور في قدرة الكثير من تلاميذ تلك المدرسة على التحليل.
عبور الأيدولوجيا Trans-Partisanship لا يعني بأي شكل رفض الأيدولوجيا Non-Partisanship ففي عبور الأيدولوجيا هناك اعتراف ضمني بوجاهة نظر جزئية في التضاد الفكري، فليس اليسار على حق دائم أو على خطأ طول الطريق وليس اليمين كذلك أيضا. بالنسبة للكثير من المتعصبين يمينا ويسارا، تأتي هذه الفكرة مصحوبة بافتراضات حول عدم إمكانية ايجاد "حلول" أخرى نظرا لطبيعة المدرسة الفكرية غير المرنة والشمولية في بعض الأحيان، بحيث أن كلمة "Trans" في "Trans-Partisan" تعني لهم ما يشبه "تجاوز Transcending" بدلاً من شيء مثل "عبور Crossing" أو "بناء الجسور bridge-building" بين الاختلافات التي هي في الأصل صحية بين التيارين، لأن في التنوع ووجود الخيارات المتعددة عنصر قوة، مع التحفظ طبعا على صحية الاختلاف في الواقع والتاريخ السوداني بين الطرفين.
انهيار الخليج البترولي أصبح مسألة وقت
بقلم: هاني أبوالقاسم
من كان يظن أن الهاتف النقال أو الموبايل سيكون له دور كبير في انهيار اقتصادات الدول التي تعتمد كليا في اقتصادها على البترول كالسعودية، الأمر الذي دفع قادتها إلى السعي نحو إصلاحات اقتصادية تقلل من اعتماد الدولة على البترول كمورد أساسي لدخلها.
التطور المتسارع الخطى في مجال بطاريات الموبايل فتح الطريق أمام مجال التوسع في الطاقة التخزينية للبطاريات، على سبيل المثال تمكنت شركة Oukitel من تطوير بطارية هاتف بسعة تخزينية 10,000 mAh وللمقارنة فإن أكبر قدرة استيعابية لهاتف من شركة أبل، هو iPhone XS Max، تبلغ 3,174 mAh . ساهم هذا التطور وصاحبه أيضا تطور في القدرات التخزينية لبطاريات السيارات التي تعمل كليا بالكهرباء، فبينما تستطيع سيارة Kia Soul EV السير لمسافة 200 كم دون الحاجة لإعادة الشحن بالكهرباء، وكذلك شركة نيسان بسيارتها Leaf التي تحمل بطارية قادرة على السير لمسافة 250 كم دون الحاجة لإعادة الشحن، الجدير بالذكر أن السيارتان الآن متاحتان بسعر في متناول المستهلك العادي في عدد من الدول من ضمنها بريطانيا. بالطبع لا نستطيع ان نذكر السيارات التي تعمل كليا بالكهرباء دون ذكر شركة Tesla الرائدة في هذا المجال والتي زودت سياراتها من طراز Tesla S ببطارية قادرة على دفعها لمسافة تصل إلى 600 كم.
الوحيدة التي أحببت
بقلم: هاني أبوالقاسم
بعد أن عشت في كراتشي، لم أعد أطيق المدن وأصبحت من عشاق الريف، عملت في الهفوف، السعودية. وحينما هممت بالانتقال إلى بريطانيا، حرصت على أن كون في بلدة صغيرة في الريف الانجليزي، الحقيقة أن واريك Warwick بلدة جميلة جدا.
ادنبرا هي المدنية الوحيدة التي أحببت، وقعت في غرامها من أول نظرة. عندما وصلتها كان الليل يسدل ستره، كانت ترتدي فستان سهرة غاية في الأناقة، ليس من باب المبالغة، لكنها مدينة جذابة حقا، كنت حينها في زيارة عمل ليوم واحد.
عبور الأيدلوجيات
بقلم: هاني أبوالقاسم
فذلكة تاريخية:
ظلت المنظومات السياسية خلال القرون الثلاثة الماضية تنقسم إلى يمين ويسار وقد ظهر هذا المصطلح إبان الثورة الفرنسية في 1789، تعرف الثورة الفرنسية أنها الثورة التي غيرت مسار الواقع السياسي في العالم. حيث كان مناصرو الملك المدعوم بالسلطة الدينية يسمون باليمينيين ومناصرو الثورة التي دعت أن تكون فرنسا جمهورية، سمو باليساريين. وبعد انتصار الثورة وفي البرلمان الفرنسي، أصبح أصحاب الرأي ببقاء فرنسا على أنظمتها القديمة (المحافظون) يجلسون على يمين رئيس البرلمان، بينما يجلس الثوار إلى يساره.
اخلع نعليك و ضع ربطة عنقك جانبا
بقلم: هاني أبوالقاسم
المشوار أطول مما كنا نظن يا صديقي، يبدو لي أن الأوان قد حان لأخلع نعلي في هذا الواد المقدس و أمشي حافيا لأتعلم من الحفاة الجوعى أن البديهة لا تحتاج إلى شهادات و ألقاب.
لن يكفيك أن تشمر عن قلم مملوء بحبر رخيص لتملء الدنيا ضجيجا عن شعارات قد تعتقد صادقاً أنك مؤمن بها، في الوقت الذي كان و مازال حبرك هو مجرد مِحاية مُلئت لك بحكم واقعك وأنت أضفت عليها بضع قطرات من حبر مستورد و اعتقدت بعدها أنك ملكت أطراف الفِكر و مكّنتك كل الآلهة مجتمعة من نواصي الحكمة و الكلِم.
التقدم المهني أم التقدم الأكاديمي
بقلم: هاني أبوالقاسم
يقبل الكثير من الراغبين في تحسين فرصهم وأوضاعهم المهنية (أو الوظيفية) على الحصول على درجات علمية كالماجستير أو الدكتوراه في الوقت الذي اتجه فيه العالم منذ عقود للفصل بين المسارين الأكاديمي من طرف والمسار المهني من طرف آخر.
المسار الأكاديمي (الماجستير والدكتوراه وأبحاث ما بعد الدكتوراه) هي مسارات تُعنى بالدرجة الأولى بتطوير المجال نفسه وليس تطوير صاحب المجال مهنيا، على سبيل المثال: أن يجري طبيب بحثا، لنيل درجة الدكتوراه، حول تأثير المادة (س) على خلايا عضلة قلب الإنسان، لا يجعله هذا بالضرورة طبيب قلب متميز في التشخيص والعلاج، بل قد يكون انشغال هذا الطبيب بهذا البحث فيه توقف لتطور مهاراته المهنية في الكشف والقدرة على المعالجة، بينما أن يسعى هذا الطبيب للحصول على عضوية أو زمالة البورد الأمريكي أو الزمالة السودانية (على سبيل المثال) لأطباء القلب عبر سلسلة من التقييمات والمتطلبات المهنية (كالقيام بالكشف ومعالجة عدد معين من المرضى أو إجراء عدد معين من عمليات القسطرة القلبية تحت إشراف مختص سُمح له بالإشراف والتدريب كمثال) يعد تقدما مهنيا يجعل من هذا الطبيب، طبيبا أفضل في مجال الكشف والمعالجة. ومما لا شك فيه فإن البحث في فائدة المادة (س) لعضلة القلب سيفيد علم أمراض القلب وقد يؤدي إلى اكتشاف أساليب جديدة للمعالجة وهو أمر يفيد العلم والبشرية بشكل أوسع أكثر مما يفيد صاحب البحث مهنيا في مجال معالجة مرضى القلب وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفائدة المادية لصاحب البحث قد تكون مهولة إذا ما تمت مقارنتها بالدخل الذي يتوقعه طبيب قلب مختص بالكشف والمعالجة، خصوصا في حال نجاح هذا الباحث.