مقدمة: السودان وسط فوضى الصراع الداخلي
منذ اندلاع الصراع المسلح في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يعاني السودان من عدم استقرار سياسي وأمني. ويعود هذا الصراع إلى تراكمات تاريخية، بدأت منذ نظام عمر البشير، وتعقيدات المرحلة الانتقالية الناجمة عن الخلافات العميقة حول السلطة والموارد ودور الأطراف المختلفة في مستقبل البلاد.
لكن الصراع لا يقتصر على الداخل السوداني فقط؛ بل يتجاوز حدوده ليأخذ طابعًا إقليميًا ودوليًا. تلعب الإمارات العربية المتحدة، كقوة إقليمية ذات نفوذ واسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دورًا محوريًا في تشكيل مسار هذا الصراع، حيث لديها مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية مباشرة في السودان ومناطق القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر. لذا، يكتسب فهم الدور الإماراتي في هذه الأزمة أهمية كبرى لفهم الصراع السوداني وأبعاده الإقليمية والدولية.
دور الإمارات في تجارة الذهب العالمية وتأثيرها على الاقتصاد
تعتبر الإمارات مركزًا عالميًا هامًا لتجارة الذهب، حيث تستحوذ على 11% من صادرات الذهب في العالم، ويُعد الذهب محوريًا للاقتصاد الإماراتي، إذ يمثل حوالي 29% من إجمالي الصادرات غير النفطية. خلال السنوات الماضية، عززت الإمارات دورها في تجارة الذهب الأفريقية بشكل خاص، مما ساهم في بناء شبكة اقتصادية كبيرة تعتمد على هذا المعدن النفيس.
في عام 2016، استوردت الإمارات ذهبًا بقيمة 8.5 مليار دولار من 46 دولة أفريقية، متفوقة على الصين كأكبر وجهة للذهب الأفريقي. ويُستخرج الذهب الأفريقي غالبًا بطرق غير رسمية، عبر التعدين الحرفي والصغير الحجم الذي لا يخضع للإشراف الرسمي، ويتم تهريبه عبر شبكات معقدة من الوسطاء والحدود، قبل أن يصل إلى الإمارات. يُقدر حجم الذهب غير الموثق الذي استوردته الإمارات في 2016 بحوالي 67 طنًا، أي ما يعادل 3.9 مليار دولار.
يبرز السودان كمصدر رئيسي للذهب المُصدر إلى الإمارات، حيث تُعد تجارة الذهب السوداني جزءًا من منظومة اقتصادية متشابكة، ويذهب ما يقدر ب 80% من صادرات الذهب السوداني إلى الإمارات (Mining Technology). يعد ذلك ذا أهمية كبرى، لأن هذه التجارة تُعد مصدرًا رئيسيًا لتمويل قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، التي تُسيطر على العديد من مناطق تعدين الذهب في السودان، خصوصًا في دارفور.
هذه العلاقة الاقتصادية بين قوات الدعم السريع والإمارات لها تأثير كبير على الاقتصاد السوداني وعلى استدامة الصراع، إذ يوفر الذهب السوداني التمويل اللازم لقوات الدعم السريع، مما يعزز من قوتها وقدرتها على الاستمرار في مواجهة الجيش السوداني. من ناحية أخرى، يُعزز هذا الذهب من مكانة الإمارات في سوق الذهب العالمية، ويدعم استراتيجيتها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، والاعتماد على التجارة العالمية في السلع الثمينة مثل الذهب.
الأبعاد الاستراتيجية لدور الإمارات في السودان وأفريقيا والمخاوف المرتبطة بها
تسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، حيث يُعتبر السودان مركزًا محوريًا لهذه الاستراتيجية بفضل موقعه الجغرافي الحيوي وموارده الطبيعية. يهدف التدخل الإماراتي في السودان إلى تأمين طرق الملاحة البحرية الهامة وضمان السيطرة على سلاسل التوريد الغذائية، في ظل سعي الإمارات لتحقيق الأمن الغذائي وتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
تُظهر الإمارات نهجًا براغماتياً في سياستها الخارجية من خلال دعمها لقوى مسلحة محلية تعمل على تعزيز نفوذها الإقليمي. هذا النهج لم يقتصر على السودان، بل ظهر بشكل واضح في تدخلها في النزاعات في كل من اليمن وليبيا. في اليمن، قامت الإمارات بتقديم دعم عسكري ومالي لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، التي تعتبر حليفًا للإمارات، مما أتاح لها السيطرة على مناطق استراتيجية مثل عدن وسقطرى. وتعمل الإمارات على تعزيز نفوذها على الموانئ والممرات المائية اليمنية بهدف تأمين طرق الملاحة وتعزيز موقعها الجيوسياسي.
أما في ليبيا، فقد دعمت الإمارات قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، سواء عبر التمويل المالي أو من خلال توفير الدعم اللوجستي والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى إنشاء قواعد عسكرية على الأراضي الليبية. وقد ساهم هذا الدعم في تعزيز موقف حفتر في الحرب الأهلية الليبية ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
بالإضافة إلى السودان، تتطلع الإمارات إلى تعزيز استثماراتها في بلدان أفريقية أخرى، مثل إثيوبيا، وكينيا، وأنغولا، وزيمبابوي، وتنزانيا. وتهدف هذه الاستثمارات إلى تطوير مشاريع زراعية وتجارية تسهم في تصدير المنتجات الغذائية إلى الإمارات. فعلى سبيل المثال، تعاونت الإمارات في أنغولا مع شركات محلية لتطوير أراضٍ بمساحة تعادل 9,300 ملعب كرة قدم، بهدف إنتاج 28 ألف طن من الأرز و5,500 طن من الأفوكادو خلال 18 شهرًا. وفي كينيا، استثمرت الإمارات عبر صندوق ADQ بما يصل إلى 500 مليون دولار في قطاعات الزراعة والغذاء، مما يعكس حرصها على تعزيز إمداداتها الغذائية من القارة الأفريقية.
إلى جانب تطوير سلاسل الإمداد، تعزز هذه الاستثمارات نفوذ الإمارات في القارة الأفريقية وتمكنها من تأمين خطوط تجارية هامة، لا سيما في مناطق البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وتحاول الإمارات من خلال بناء شبكة اقتصادية قوية في أفريقيا، ضمان التدفق السلس للمنتجات الغذائية والمواد الأولية، ما يدعم استراتيجيتها لتنويع مصادر دخلها وتثبيت مكانتها في الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، فإن هذا التوسع الاستراتيجي يثير العديد من المخاوف بشأن التأثيرات المحتملة على الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية الأفريقية. يُخشى أن يتم تخصيص الأراضي الخصبة لإنتاج محاصيل معدة للتصدير بدلاً من تلبية احتياجات السكان المحليين. بالإضافة إلى ذلك، توجد مخاوف حول الشفافية في عمليات الاستثمار وحقوق المزارعين والعمال المحليين الذين قد يعملون في ظروف صعبة، سواء في بلدانهم أو عند انتقالهم للعمل في الخليج.
الاستراتيجية البحرية والعسكرية: قواعد البحر الأحمر والقرن الأفريقي
تُعدّ الاستراتيجية العسكرية والبحرية جزءًا أساسيًا من سياسات الإمارات الإقليمية، حيث تسعى لتعزيز نفوذها وتأمين مصالحها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. ومنذ عام 2015، عملت الإمارات على توسيع وجودها العسكري في هذه المناطق الحيوية، بدءًا من إقامة قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري، بعد توقيع اتفاقية إيجار مدتها 30 عامًا مع الحكومة الإريترية. يتمتع هذا الميناء بأهمية استراتيجية، كونه يُشكل نقطة انطلاق رئيسية للعمليات العسكرية الإماراتية، وخاصة في إطار التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين. تم تجهيز القاعدة بمدارج طائرات للنقل، ومرافق لاستقبال السفن الحربية، ومستودعات للذخيرة(Global Security).
وفي عام 2017، وسّعت الإمارات وجودها العسكري من خلال بناء قاعدة بحرية في بربرة، صوماليلاند، بكلفة وصلت إلى 442 مليون دولار (African Development Bank Group). يعزز هذا التواجد من قدراتها على تأمين طرق الملاحة في البحر الأحمر، خاصة مضيق باب المندب، الذي يُعتبر من أهم الممرات البحرية العالمية. ويمر عبر هذا المضيق حوالي 10% من حركة التجارة البحرية العالمية، لذا فإن تعزيز السيطرة الإماراتية على هذه المنطقة يُعد جزءًا حيويًا من أهدافها البحرية والأمنية، لضمان تدفق التجارة وحماية المصالح الاقتصادية الإماراتية(Stratfor).
تساهم هذه القواعد في تعزيز النفوذ البحري والعسكري للإمارات، وتضمن مراقبة وتأمين مسارات التجارة الحيوية، مما يعزز من تأثيرها الإقليمي، ويمكّنها من التدخل المباشر لحماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
الوجود العسكري الإماراتي المباشر في السودان:
الدور العسكري الميداني المباشر للإمارات تمثل في تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لقوات الدعم السريع عبر توفير المعدات والذخيرة عبر قاعدة في شمال تشاد، وذلك حسب مصادر متعددة. يُعتقد أن الإمارات تنقل إمداداتها بشكل يومي منذ يونيو 2023، وتعتبر العملية ذات طابع إنساني وفقًا للمسؤولين الإماراتيين، ولكن يتم الربط بينها وبين الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع. (الجزيرة)
وفقًا لمصادر أنه في أواخر سبتمبر 2024، أعلنت الإمارات عن مقتل أربعة من جنودها في السودان، مع تكتم حول الظروف المحيطة بوفاتهم. في السياق الحالي، كان هناك تقارير متداولة حديثًا حول تواجد دفاع جوي إماراتي في مطار نيالا بالسودان، إضافةً إلى اتهامات بدور إماراتي مباشر في دعم العمليات العسكرية. وحسب مصادر أخرى وتقارير حديثة تشير إلى أن حوالي 13 من الجنود الإماراتيين قُتلوا أو أُصيبوا في مطار نيالا في دارفور، السودان، إثر قصف جوي شنّه الجيش السوداني على غرفة عمليات كانت تحتوي على جنود إماراتيين، ومقاتلين آخرين. وزارة الدفاع الإماراتية أعلنت عن مقتل أربعة من جنودها وإصابة تسعة آخرين في حادثة أثناء تأدية واجبهم في السودان، دون تقديم تفاصيل حول طبيعة المهمة. (Yemen Press Agency)
إضافة إلى ذلك، اكتُشف وجود جوازات سفر إماراتية في السودان، مما يشير إلى وجود قوات إماراتية على الأرض. هذه الوثائق تشير إلى تدخل الإمارات في الصراع الجاري بالسودان عبر توفير الدعم لقوات الدعم السريع. وقد ذُكر أيضاً أن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بطائرات بدون طيار معدلة لاستخدامها في إلقاء القنابل الحرارية، وهي أسلحة ذات تأثير واسع على المناطق المستهدفة. (Middle East Eye)
الحرب المعلوماتية ودور الإمارات في التأثير الإعلامي
تلعب الإمارات دورًا متزايدًا في مجال الحرب المعلوماتية، حيث تستخدم أدوات الإعلام التقليدي والرقمي للتأثير على السرديات الإقليمية، وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وأفريقيا. يتجلى ذلك من خلال استغلال منصات التواصل الاجتماعي، الأمن السيبراني، والإعلام التقليدي في بناء صورة إيجابية عن سياساتها الإقليمية، وتوجيه الخطاب بما يتناسب مع أهدافها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
واحدة من الأدوات الفاعلة في هذه الحرب المعلوماتية هي سكاي نيوز عربية، التي تُعد واحدة من أهم المنصات الإعلامية التابعة للإمارات. إذ تأسست القناة كجزء من شراكة بين شركة أبوظبي للإعلام ومؤسسة "سكاي" البريطانية، ما أعطاها صبغة دولية وتأثيرًا على الساحة الإعلامية العربية والعالمية. تهدف سكاي نيوز عربية إلى توجيه الرسائل السياسية، تعزيز وجهة النظر الإماراتية، وتغطية الأخبار من منظور يخدم المصالح الإماراتية.
من خلال سكاي نيوز عربية، تُسلط الإمارات الضوء على قضايا إقليمية مثل الوضع في السودان أو اليمن، وتتبنى سرديات تعكس مواقفها الرسمية، سواء كان ذلك من خلال تقديم الدعم لحلفائها، أو الترويج لرؤيتها بشأن النزاعات السياسية والعسكرية. إلى جانب ذلك، تسعى القناة للتأثير على الرأي العام العربي والدولي، باستخدام منصات متعددة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار والتقارير التي تتسق مع الخطوط العامة للسياسة الإماراتية.
التحكم بالسرديات الإعلامية واستخدام أدوات التأثير الرقمي
تسعى الإمارات إلى إدارة السرد الإعلامي من خلال شبكة معقدة من الأدوات والجهات الفاعلة. يشمل ذلك الإعلام الحكومي، وشخصيات مؤثرة، وشركات تسويق رقمية، بالإضافة إلى حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر لتعزيز رؤية الإمارات ونشر معلومات تخدم مصالحها. تعتمد هذه الشبكة على نشر رسائل موحدة ومؤثرة في الأزمات الإقليمية، مثل الصراع في السودان أو ليبيا، وذلك بهدف توجيه الرأي العام وإضفاء الشرعية على مواقفها وتحالفاتها.
علاوة على ذلك، تستخدم الإمارات تكنولوجيا الأمن السيبراني لتعزيز وجودها في "الحرب المعلوماتية"، وهي منطقة ذات أهمية متزايدة في ضوء تنامي الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا بعد جائحة كورونا. تحاول الإمارات تعزيز مكانتها كقوة رائدة في "اقتصاد المعرفة" في العالم العربي، وتطوير شراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى في "وادي السيليكون" بالولايات المتحدة واسرائيل، لتؤكد على نفوذها الرقمي.
إدارة الأزمات والتأثير على الدول المستهدفة
تُستخدم أدوات التأثير الإعلامي لإدارة الأزمات والتأثير على الحكومات والشعوب المستهدفة. على سبيل المثال، في السودان، شهدت العلاقات الإعلامية بين الإمارات والسودان توترات بعد مزاعم عن هجوم مسلح على مقر إقامة السفير الإماراتي في الخرطوم، وهو ما نفاه الجيش السوداني، ليعكس هذا الحادث جزءًا من محاولات الإمارات لاستخدام القوة الإعلامية للتأثير في مجريات الأحداث وصياغة سردية تُخدم مصالحها.
وعبر الإعلام، تحاول الإمارات تصوير نفسها كقوة داعمة للاستقرار والتنمية، مع العمل على انتقاد وتحجيم الجهات التي تراها معارضة لمصالحها، سواء كان ذلك على الساحة السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية. بفضل الأدوات الإعلامية القوية والموجهة، مثل سكاي نيوز عربية، تسعى الإمارات إلى التأثير على الرأي العام، وصياغة سرد إعلامي يصب في تعزيز نفوذها على المستويين الإقليمي والدولي.
تساهم هذه الحرب الإعلامية في دعم الاستراتيجية الإماراتية الشاملة، التي تجمع بين استخدام القوة الناعمة، مثل الإعلام والتأثير الدبلوماسي، والقوة الصلبة، مثل التحالفات العسكرية والاستثمارات الاقتصادية، بهدف تعزيز مصالحها وتحقيق نفوذها في المنطقة.
الصراعات الإقليمية والسياسات الشرق أوسطية في ظل الصراع السوداني والتنافس في أفريقيا
يشهد القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر صراعًا إقليميًا معقدًا، حيث تتنافس العديد من القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والسيطرة، ويتجلى هذا بشكل واضح في الصراع السوداني. تبرز كل من الإمارات وتركيا كفاعلين رئيسيين في تعزيز نفوذهما على الساحة الأفريقية، فيما تتداخل معهما قوى أخرى مثل روسيا، مصر، السعودية، قطر، وإيران، وتتنافس جميعها على تشكيل مستقبل السودان والمنطقة المحيطة.
الدور الإماراتي والروسي وتأثيرهما في دعم قوات الدعم السريع
تلعب الإمارات دورًا رئيسيًا في دعم قوات الدعم السريع في الصراع السوداني، حيث تعتمد استراتيجيتها على تعزيز نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في السودان والمنطقة المحيطة. تقدم الإمارات دعمًا ماليًا ولوجستيًا لقوات الدعم السريع، مدفوعة بمصالح متعددة، من أهمها تأمين طرق الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وضمان استمرار تدفق الذهب السوداني، الذي يعد مصدرًا مهمًا لتمويل هذه القوات. وتعتمد الإمارات في هذه الاستراتيجية على تحالفاتها مع قوات محلية مسلحة ذات نفوذ، بهدف تحقيق مصالحها دون التدخل العسكري المباشر. ويساهم هذا الدعم في تعزيز قوة قوات الدعم السريع وقدرتها على التوسع والسيطرة على موارد استراتيجية، خاصة في مناطق الذهب والنفط، ما يعقد المشهد السوداني بشكل أكبر.
من جانبها، تلعب روسيا دورًا محوريًا في دعم قوات الدعم السريع، وذلك من خلال مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة، التي تُعتبر ذراعًا غير رسمي للنفوذ الروسي في أفريقيا. تسعى روسيا، عبر هذه المجموعة، إلى تحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية، حيث توفر التدريب والمعدات العسكرية لقوات الدعم السريع مقابل تأمين مصالحها في الموارد السودانية، وأهمها الذهب. تعتبر تجارة الذهب في السودان جزءًا من شبكة أوسع تستفيد منها روسيا، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها، مما يجعل الذهب السوداني مصدرًا مهمًا للتمويل وتجاوز القيود المالية. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر طموحات روسيا في بناء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، من خلال علاقتها بقوات الدعم السريع، رغبتها في تعزيز وجودها العسكري وتأمين نفوذها في المنطقة. هذا التواجد يخدم روسيا استراتيجيًا، إذ يمكنها من توسيع نطاق عملياتها في البحر الأحمر، وتعزيز موقعها في القرن الأفريقي.
الدور المصري والسعودي في دعم الجيش السوداني
تتبنى مصر والسعودية موقفًا داعمًا للجيش السوداني، ولكن بأساليب ومصالح مختلفة. تُعتبر مصر حليفًا تقليديًا للجيش السوداني، حيث تجمع البلدين علاقات استراتيجية متجذرة تاريخيًا، تقوم على المخاوف المشتركة المتعلقة بالأمن والاستقرار في المنطقة، وخاصة قضية مياه النيل. بالنسبة لمصر، فإن دعم الجيش السوداني ضروري للحفاظ على التوازن السياسي والأمني في السودان، ولتجنب تصاعد نفوذ الفصائل المسلحة غير النظامية مثل قوات الدعم السريع، مما قد يؤثر على أمنها المائي وحدودها الجنوبية. وقد ظهر الدعم المصري للجيش السوداني بشكل واضح في تقديم المساعدات العسكرية والسياسية، بهدف تقوية دوره في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها.
أما السعودية، فيتسم موقفها تجاه الصراع السوداني بدرجة من الحياد العلني، مع ميل غير مباشر لدعم الجيش السوداني. تُدرك السعودية أهمية استقرار السودان، خاصة فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب. ولكن، على عكس الموقف المصري الصريح، تميل السعودية إلى ممارسة دبلوماسية هادئة عبر استضافة محادثات السلام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جدة، في محاولة للحفاظ على علاقات متوازنة مع الأطراف المتصارعة. يعكس هذا الدور الوسيط رغبة السعودية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وتجنب الانحياز العلني لأي طرف، مع دعم الجيش السوداني بشكل غير مباشر لتحقيق التوازن في مواجهة قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات وروسيا.
في المحصلة، يظهر أن كلا من الإمارات وروسيا يميل إلى دعم قوات الدعم السريع لتحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية في السودان، بينما تعمل مصر والسعودية على دعم الجيش السوداني لأسباب تتعلق بالاستقرار الإقليمي، وتأمين المصالح المشتركة في البحر الأحمر، وتوازن القوى في المنطقة. يؤدي هذا التداخل في المصالح والدعم إلى تعقيد الصراع السوداني، ويجعل الحل السياسي أكثر صعوبة، في ظل وجود قوى دولية وإقليمية تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة عبر دعم الفصائل المسلحة في البلاد.
الدور القطري والإيراني في الصراع السوداني
في سياق الصراع السوداني، تتخذ قطر وإيران أدوارًا أقل تأثيرًا مقارنة بالإمارات، روسيا، مصر، والسعودية، إلا أن لهما اهتماماتهما الخاصة، التي تنبع من مواقف إقليمية واستراتيجية أكبر.
قطر: دعم الحكومة الانتقالية وتوازن القوى
لعبت قطر دورًا مهمًا في السودان خلال العقد الماضي، خاصة عندما كانت تدعم حكومة عمر البشير، ومع سقوط البشير وتشكيل الحكومة الانتقالية في 2019، استمرت قطر في دعمها السياسي والاقتصادي للحكومة الانتقالية. وقد تمثل الدعم القطري في الاستثمار وتقديم المساعدات، بالإضافة إلى السعي لتعزيز الاستقرار السياسي في السودان، مستغلة علاقتها المتوازنة مع الأحزاب الإسلامية المؤثرة في البلاد.
رغم أن قطر لا تلعب دورًا مباشرًا في دعم الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع، فإن اهتمامها الأساسي يتركز على دعم القوى السياسية التي يمكن أن تكون بمثابة توازن مضاد للنفوذ الإماراتي والسعودي، وخصوصًا في أعقاب الأزمة الخليجية 2017. تهدف قطر إلى تقوية الأطراف السودانية التي تتوافق مع رؤيتها الإقليمية، حيث تفضل القوى التي لها صلات بالحركات الإسلامية، وتبتعد عن الأطراف ذات الطابع العسكري غير النظامي. ومع اندلاع الصراع الحالي، تتبنى قطر نهجًا دبلوماسيًا متوازنًا، داعية إلى الحوار والحل السلمي بين الأطراف السودانية، بهدف حماية استقرار البلاد دون التورط في دعم عسكري مباشر لأي من الجانبين.
إيران ودورها في دعم الجيش السوداني
في ظل التنافس الإقليمي وتأثيره على الصراع السوداني، برز دور إيران كداعم للجيش السوداني من خلال تقديم دعم عسكري ملحوظ، خاصة عبر تزويد الجيش بطائرات مسيّرة (درونز) وأسلحة متطورة. وقد قامت إيران بتزويد الجيش السوداني بعدد من الطائرات المسيرة من طراز "محاجر-6" وغيرها، وهو ما مكّن الجيش من تعزيز قدراته في العمليات ضد قوات الدعم السريع، خاصة في المناطق حول الخرطوم وأم درمان. (Africa Defense Forum) - (Iran International)
تعزز هذا التعاون بشكل أكبر بعد زيارة وفد سوداني إلى إيران في محاولة لاكتساب المعرفة حول تشغيل الطائرات المسيرة الإيرانية والاستفادة منها في العمليات العسكرية. وقد جاء هذا التعاون بعد رفع حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في أكتوبر 2023، مما سمح للسودان بالتوجه لإيران لتعزيز قدراته العسكرية. تعتبر إيران واحدة من أكبر موردي الطائرات المسيرة، والتي استخدمت في صراعات أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا عبر الدعم الروسي، وكذلك من قبل الحوثيين ضد السعودية والإمارات.
بالإضافة إلى الدعم العسكري، تمثل العلاقة المتجددة بين إيران والسودان عاملاً استراتيجيًا لإيران، حيث تهدف إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة على ساحل البحر الأحمر. بينما لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية إيرانية في السودان، فإن هذا يبقى احتمالًا قائمًا، خصوصًا مع تطور العلاقات الثنائية التي تسمح لإيران بالاقتراب من الممرات البحرية الهامة، وإلى موقع استراتيجي قريب من منافستها الإقليمية، السعودية. (Africa Defense Forum) - (Modern Diplomacy)
أعادت إيران والسودان علاقاتهما الدبلوماسية في عام 2023 بعد سنوات من التوتر منذ 2016، مما سمح بفتح قنوات جديدة للتعاون العسكري والاقتصادي، وتوفير إيران لمزيد من الدعم العسكري للجيش السوداني بهدف تعزيز نفوذه وتقوية موقعه أمام قوات الدعم السريع. في الوقت الحالي، لم يؤد هذا الدعم الإيراني إلى تغيير حاسم في مسار الصراع السوداني، ولكنه يُشكل عاملًا مهمًا في تعزيز القوة العسكرية للجيش السوداني وقد يؤثر على موازين القوى في المستقبل. (Modern Diplomacy)
التأثيرات الداخلية للصراع في السودان: التهجير، فقدان الأرواح، ودور الدعم الخارجي
تفكك الحكم المدني وتعطيل الانتقال السياسي
منذ سقوط نظام عمر البشير في عام 2019، كان السودان يحاول تنفيذ عملية انتقالية نحو حكم مدني. ومع ذلك، أدى الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات إلى تعطيل هذه الجهود، ما أدى إلى إضعاف فرص إنشاء حكومة مدنية قادرة على إصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية. تبرز أهمية دعم الإمارات لقوات الدعم السريع من حيث قدرته على تعزيز قوة هذه الميليشيات على حساب الحكومة المدنية، مما يعمق انقسامات السلطة ويضعف المؤسسات الحكومية.
التأثير على المجتمع المدني ونسيج الحكم المحلي
نتيجة للدعم الإماراتي والروسي لقوات الدعم السريع، تُعزز الجماعات المسلحة سيطرتها على مناطق عديدة في السودان، خاصة المناطق الغنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب. وهذا يؤدي إلى تدهور سلطة الحكومة المركزية في هذه المناطق وخلق فراغ في الحكم المحلي، حيث تكون السلطة بيد قوات الدعم السريع والقبائل المحلية الحليفة لها. ويؤدي هذا إلى تقويض الجهود الرامية لتحقيق الحكم الرشيد والتنمية المحلية، ويعزز من قبضة الجماعات المسلحة على المجتمع المحلي.
خسائر الأرواح والتشرد الجماعي
مع تزايد حدة الصراع المستمر منذ أبريل 2023، شهد السودان تصاعدًا كبيرًا في الخسائر البشرية وحالات التهجير القسري. وفقًا لأحدث التقارير، تجاوز عدد القتلى المدنيين منذ اندلاع القتال في الخرطوم والمناطق المحيطة بها الـ 7,500 شخص، بينما تقدر مصادر أخرى بأن الأعداد قد تكون أعلى نظرًا لعدم القدرة على الوصول إلى جميع مناطق النزاع لتوثيق الخسائر. (Sudan Tribune) - (UNOCHA).
فيما يخص النزوح، أشارت تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (UNOCHA) إلى أن أكثر من 5.25 مليون شخص قد نزحوا نتيجة القتال، سواء داخل السودان أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة مثل تشاد، وجنوب السودان، مصر، وأثيوبيا. يعاني هؤلاء النازحون من ظروف إنسانية متدهورة، بما في ذلك نقص الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى، لا سيما في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية مكثفة.
الاقتصاد المعتمد على الموارد والآثار على المجتمعات المحلية
تسيطر قوات الدعم السريع، المدعومة من الإمارات، على مناطق غنية بالذهب والموارد الطبيعية، ما يمكنها من الاستفادة الاقتصادية من هذه الموارد عبر تصديرها للأسواق العالمية، وخاصة إلى الإمارات. ونتيجة لذلك، يتأثر السكان المحليون بشكل مباشر، حيث يتم تهجيرهم قسريًا بشكل مباشر أو غير مباشر من المناطق الغنية بالموارد، أو إجبارهم على العمل في ظروف قاسية لتشغيل المناجم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق الأموال والأسلحة لقوات الدعم السريع أدى إلى تأجيج النزاعات المحلية والصراعات بين القبائل، خاصة في مناطق دارفور. تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز نفوذها على هذه المناطق عبر تقديم دعم للزعماء المحليين، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الصراعات حول الأراضي والموارد، ويزيد من تقويض الاستقرار الاجتماعي.
الأثر على الاقتصاد الوطني والمجتمع المدني
نتيجة للتوترات الداخلية والاضطرابات التي تعززها قوى خارجية، يواجه الاقتصاد السوداني أزمات متعددة تشمل تراجع قيمة العملة، ارتفاع معدلات التضخم، وتعطيل إنتاج وتصدير السلع الأساسية، بما في ذلك الذهب. هذه العوامل تضع ضغوطًا إضافية على المجتمع السوداني المدني، الذي يجد نفسه عالقًا بين صراعات السلطة المسلحة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
تتسبب هذه الضغوطات الاقتصادية في زيادة التهميش الاجتماعي وانخفاض مستوى معيشة المواطنين السودانيين، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، بما في ذلك نقص الغذاء والخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة بين الشباب.
عرقلة المساعدات الإنسانية واستهداف المجتمع المدني
أدت العمليات العسكرية المكثفة والنزاعات المستمرة إلى تقييد قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات الضرورية في مناطق النزاع. هناك قيود كبيرة على الوصول إلى المجتمعات التي تحتاج إلى المساعدة بسبب القتال أو سيطرة الميليشيات، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني وتزايد معاناة السكان المتضررين.
إضافةً إلى ذلك، يتعرض المجتمع المدني في السودان للضغوط والقمع بسبب السيطرة المتزايدة للجماعات المسلحة مثل قوات الدعم السريع. تواجه المنظمات المحلية والصحفيون والناشطون تحديات متزايدة، بما في ذلك التهديدات بالعنف أو الاعتقال، مما يحد من قدرتهم على تقديم الدعم للمجتمعات المحلية أو الدعوة إلى حل النزاع بوسائل سلمية.
الأبعاد القانونية والإنسانية الدولية
العقوبات والقرارات الدولية: التدخلات وردود الفعل
على الصعيد الدولي، يثير الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع وحضورها العسكري والاقتصادي في السودان نقاشات حول الشرعية الدولية، ومدى احترام المعايير الإنسانية وحقوق الإنسان. واجهت قوات الدعم السريع وقادتها، وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، خصوصًا في دارفور، وفيما يتعلق بالقمع المفرط للاحتجاجات. ومع استمرار الصراع السوداني، تعزز التحالفات الإماراتية مع هذه القوات مخاوف حول استمرار الدعم الخارجي في تأجيج الصراع.
ومع أن العقوبات الدولية المفروضة على بعض أفراد النظام السابق في السودان وعلى ممارسات العنف المستمرة، كانت تهدف إلى الحد من تأثير الفصائل المسلحة، فإن الدعم الإماراتي المستمر يمكن أن يعتبر تحديًا لهذه العقوبات، خاصة إذا تضمن تزويد المعدات العسكرية أو الدعم المالي للفصائل المتهمة بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
التأثير على حقوق الإنسان والوضع الإنساني في السودان
من منظور حقوق الإنسان، أدى الصراع السوداني المستمر، والذي يلعب فيه الدعم الإماراتي والجهات الخارجية الأخرى دورًا، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، حيث يواجه الملايين من السودانيين تهجيرًا قسريًا، وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتفشي العنف. وتزيد التحالفات مع الفصائل المسلحة مثل قوات الدعم السريع من احتمالات ارتكاب انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان، لا سيما في ظل غياب آليات رقابة فعّالة على الأنشطة العسكرية في المناطق المتأثرة بالنزاع.
تثير هذه الظروف تساؤلات حول التزامات الدول الفاعلة مثل الإمارات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. تشير منظمات حقوقية دولية إلى أن دعم الفصائل المسلحة التي يُحتمل تورطها في انتهاكات حقوقية قد يكون مخالفًا للالتزامات الإنسانية للدول.
ردود الفعل الدولية والمطالبات بمحاسبة المسؤولين
تتعرض الإمارات لضغوط دولية متزايدة بسبب دورها في دعم القوات المسلحة غير النظامية مثل قوات الدعم السريع، حيث تطالب العديد من الجهات الفاعلة، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية والأمم المتحدة، بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان. كما تثار التساؤلات حول مدى التزام الإمارات بمعايير القانون الدولي في ظل استمرار تزويدها بدعم عسكري أو مالي للفصائل السودانية.
بناءً على هذه الردود الدولية، هناك دعوات متزايدة لفرض رقابة على التجارة في الذهب والموارد السودانية التي يتم تهريبها بطرق غير شرعية إلى الخارج، بما في ذلك إلى الإمارات، بهدف ضمان توجيه هذه الموارد نحو تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاستقرار السياسي، وليس تمويل الصراعات الداخلية.
الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي في الصراع السوداني
تثير تدخلات دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمها لقوات الدعم السريع في الصراع السوداني تساؤلات حول انتهاكات متعددة للقانون الدولي. إذ تُشير بعض الممارسات التي تشمل الدعم العسكري والاقتصادي للقوات غير النظامية، واستهداف المدنيين في العمليات العسكرية، إلى مخالفة لعدة معاهدات وقوانين دولية، تشمل:
ميثاق الأمم المتحدة (1945)
يحظر ميثاق الأمم المتحدة دعم الدول لأي مجموعات مسلحة ضد حكومات قائمة ومعترف بها دوليًا، حيث ينص على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. تنتهك الإمارات هذا المبدأ من خلال دعمها لقوات الدعم السريع، التي تتعارض مع الجيش السوداني، مما يشكل انتهاكًا محتملًا للمادة 2(4) التي تحظر استخدام القوة ضد سيادة أو استقلالية الدول الأعضاء، وكذلك المادة 2(7) التي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية.
اتفاقيات جنيف (1949) وبروتوكولاتها الإضافية (1977)
تعد انتهاكات حقوق الإنسان في الصراع السوداني، بما في ذلك الهجمات على المدنيين والمرافق الصحية والإنسانية، خرقًا لاتفاقيات جنيف التي تشكل الركيزة الأساسية للقانون الإنساني الدولي. تُعتبر هذه الانتهاكات مخالفة لمبادئ التمييز (التي تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية)، والتناسب (الذي يحظر الهجمات التي قد تؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين غير متناسبة مع المكاسب العسكرية المتوقعة)، والاحتياط (التي تُلزم الأطراف باتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين).
على وجه الخصوص، فإن المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف تحظر استهداف المدنيين والأشخاص الذين لم يعودوا مشاركين في الأعمال العدائية. بالإضافة إلى ذلك، يعزز البروتوكول الثاني الإضافي الحماية للمدنيين ويوسع نطاق الالتزامات الإنسانية في النزاعات المسلحة الداخلية.
اتفاقية منع استخدام المرتزقة (1989)
تحظر هذه الاتفاقية توظيف أو تدريب أو تمويل المرتزقة لاستخدامهم في النزاعات المسلحة. ورغم أن الإمارات لا تُعتبر عضوًا في هذه الاتفاقية، فإن التقارير تشير إلى أن قوات الدعم السريع تحصل على دعم من جهات خارجية، قد تشمل مرتزقة أو مستشارين عسكريين، وهو ما يعد انتهاكًا لمعايير القانون الدولي المتعارف عليها.
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)
ينص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على ملاحقة جرائم الحرب، التي تشمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، والاعتداء المباشر على المدنيين أو استهدافهم، وممارسة عمليات القتل والاختطاف والاعتداء الجنسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الممارسات الواسعة النطاق أو المنهجية التي تُرتكب ضد المدنيين قد تصنف ضمن جرائم ضد الإنسانية، وفقًا للمادة 7 من النظام الأساسي.
معاهدة تجارة الأسلحة (2013)
تهدف هذه المعاهدة إلى الحد من التدفق غير المنضبط للأسلحة التقليدية إلى مناطق النزاع، خاصة عندما يمكن استخدامها لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني. تثير العلاقات الإماراتية مع قوات الدعم السريع تساؤلات حول الامتثال لمعايير هذه المعاهدة، خاصة فيما يتعلق بالرقابة على بيع وتصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في الانتهاكات.
قرارات مجلس الأمن الدولي
أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات تتعلق بحظر توريد الأسلحة إلى السودان، مثل القرار 1591 الذي فرض حظرًا على نقل الأسلحة إلى دارفور. لذا فإن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع بالأسلحة أو التمويل، يعد انتهاكًا مباشرًا لهذه القرارات، ومساهمة في تأجيج النزاع الداخلي في السودان.
التأثير الاقتصادي طويل الأمد
التأثير على أسواق الذهب: سيطرة الإمارات ودورها في تشكيل السوق العالمية
كما أسلفنا، من خلال سيطرتها على تجارة الذهب في السودان وأجزاء أخرى من أفريقيا، تمكّنت الإمارات من لعب دورٍ رئيسيٍ في تشكيل أسواق الذهب العالمية. يعد السودان أحد كبار منتجي الذهب في أفريقيا، وتذهب نسبة كبيرة من هذا الذهب إلى الإمارات، ما يجعلها مركزًا رئيسيًا في تجارة الذهب الأفريقية. بفضل هذه الشبكة الواسعة لتجارة الذهب، تعزز الإمارات من دورها في تحديد أسعار المعدن الأصفر وإدارته كسلعة أساسية على المستوى العالمي. بسبب التحالف مع قوات الدعم السريع التي تسيطر على مناطق تعدين الذهب، تعتبر الإمارات شريكًا أساسيًا في توجيه تدفق الذهب السوداني عبر قنواتها التجارية. وتتيح هذه العلاقة للإمارات فرض سيطرتها على جزء مهم من إمدادات الذهب غير الرسمية، حيث يُنقل الذهب من السودان ودول أفريقية أخرى عبر شبكات غير رسمية، ثم يتم إدخاله إلى السوق الإماراتية بشكلٍ شبه قانوني.
هذا التوجه الإماراتي له تأثير مباشر على الاقتصاد المحلي للسودان، حيث يُهمش دور الدولة الرسمية في تنظيم عمليات التعدين وإدارة الإيرادات الناتجة عنها. كما أن سيطرة قوات الدعم السريع على موارد الذهب، وتوجيهه إلى قنوات التصدير غير الرسمية عبر الإمارات، يؤدي إلى فقدان الحكومة السودانية جزءًا كبيرًا من عائداتها، مما يؤثر على استقرار الاقتصاد المحلي والتنمية المستدامة في السودان.
الدبلوماسية المالية والديون: تأثير الاستثمارات الإماراتية على الاقتصادات الأفريقية
من جانب آخر، تعتمد الإمارات على استراتيجيات الدبلوماسية المالية والديون لتعزيز نفوذها في الاقتصادات الأفريقية. من خلال الاستثمار المباشر في قطاعات البنية التحتية، والزراعة، والتكنولوجيا، تقدم الإمارات دعمًا ماليًا كبيرًا لدول القارة، سواء عبر مؤسساتها الحكومية أو عبر مؤسسات تمويل تابعة للدولة مثل "ADQ".
ويؤدي هذا الدعم المالي إلى تعزيز نفوذ الإمارات الاقتصادي والسياسي في تلك الدول، حيث تصبح الحكومات المحلية معتمدة على القروض والاستثمارات الإماراتية في تطوير مشاريعها الكبرى. على الرغم من الفوائد الاقتصادية التي قد تحققها هذه الاستثمارات، إلا أنها قد تجعل الدول الأفريقية عالقة في "فخ الديون" التي قد تؤدي إلى تنازلها عن أجزاء من سيادتها على مواردها أو مناطق استراتيجية مثل الموانئ، كجزء من الديون غير المسددة أو كشرط للحصول على قروض جديدة.
على سبيل المثال، في سياق الزراعة والأمن الغذائي، يتم استثمار الأراضي الزراعية الأفريقية من قبل الإمارات بغرض تحقيق الأمن الغذائي للإمارات نفسها، وليس بالضرورة لتعزيز إنتاج الغذاء للمجتمعات المحلية في أفريقيا. بينما قد تحقق هذه الاستثمارات فوائد من خلال توفير البنية التحتية أو فرص العمل، إلا أنها قد تؤدي إلى تغيير في أولويات استخدام الأراضي، مما يؤثر على إنتاجية الزراعة المحلية والأمن الغذائي للمجتمعات الأفريقية.
الخاتمة: الصراع السوداني ومعركة النفوذ الإقليمي والدولي
إن الصراع الدائر في السودان يتجاوز كونه مجرد أزمة داخلية، بل هو انعكاس لتوازنات إقليمية معقدة وصراع قوى على النفوذ في المنطقة. وعلى الرغم من وجود جذور محلية للأزمة، إلا أن التدخلات الخارجية، وخاصة من قبل الإمارات، تعتبر جزءًا محوريًا في تفجير الوضع الحالي واستمراره. ساهم الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع بشكل مباشر في تعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية، مع بروز دور التجارة في الذهب كعنصر أساسي في تمويل الصراع وتحقيق المصالح الاقتصادية للإمارات على حساب استقرار السودان.
من ناحية أخرى، تجلى الطموح الإماراتي في السودان كجزء من استراتيجية إقليمية أوسع تشمل القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، حيث تهدف الإمارات إلى تحقيق هيمنة سياسية واقتصادية وعسكرية. يتقاطع هذا الدور مع المصالح الروسية، خاصة عبر دعم قوات الدعم السريع وتسهيل وصول الذهب السوداني إلى الأسواق الدولية، بالإضافة إلى أهداف بناء نفوذ عسكري وتجاري مستدام.
ولا يقتصر التنافس الإقليمي على الإمارات وروسيا فقط، بل تلعب قوى إقليمية أخرى، مثل مصر والسعودية وقطر وإيران، أدوارًا مختلفة تتعلق بتحقيق استقرار سياسي، وضمان طرق الملاحة، وتأمين المصالح الاقتصادية في المنطقة. ومن هنا يظهر السودان كساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، حيث تتشابك الصراعات المحلية مع المصالح الخارجية، ما يؤدي إلى تعميق الأزمة وتعقيد أي محاولة للوصول إلى تسوية سياسية مستدامة.
بالمجمل، أدى هذا التدخل الخارجي إلى تأجيج النزاعات الداخلية وتفاقم الوضع الإنساني، مع ارتفاع معدلات التهجير، فقدان الأرواح، وزيادة معاناة المدنيين. يمثل الصراع السوداني نموذجًا حيًا لتداخل المصالح المحلية والإقليمية والدولية، حيث يؤدي الدعم الخارجي لتحقيق الأهداف الجيوسياسية إلى استمرار حالة عدم الاستقرار وتعطيل عمليات التنمية والسلام. وبينما تستمر هذه التدخلات، يبقى السودان محاصرًا في دوامة من الصراع، مما يتطلب جهودًا إقليمية ودولية أكثر تكاملًا للتوصل إلى حلول تسهم في تحقيق السلام والاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة بعيدًا عن التدخلات الأجنبية والاعتماد على المصالح الوطنية.
عليه، لا بد من دعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه الصراع السوداني، من خلال فرض رقابة على الأنشطة الاقتصادية والعسكرية التي تدعم الفصائل المسلحة، خاصة تجارة الذهب التي تستفيد منها قوات الدعم السريع. يتطلب هذا التحرك دعمًا من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، لضمان تنفيذ العقوبات على الدول والشركات التي تساهم في تمويل الأطراف المسلحة أو تزويدها بالأسلحة والمعدات.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تتخذ المؤسسات الدولية خطوات جادة لتنسيق الجهود مع الجهات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، بهدف مواجهة التدخلات الإماراتية والحد من تأثيرها السلبي على مستقبل السودان. يتضمن ذلك تشجيع عمليات تحقيق شفافة بشأن دعم الفصائل المسلحة، ومحاسبة الأطراف المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان وتأجيج الصراعات.
كما ينبغي على المجتمع الدولي أن يعزز دوره في دعم الحوار السوداني الداخلي، ويحث الأطراف المتنازعة على وقف الأعمال القتالية والعودة إلى طاولة المفاوضات لحل الأزمة بشكل سلمي. إن توفير دعم سياسي واقتصادي فعال للحكومة السودانية الانتقالية القادمة يمكن أن يساعد في تعزيز مؤسسات الدولة، وتحقيق إصلاحات تساهم في استعادة الاستقرار وإعادة بناء السودان على أسس سلمية ومستدامة.
باختصار، إن معالجة الأوضاع في السودان تتطلب تحركًا دوليًا وإقليميًا متكاملًا لوقف التدخلات الأجنبية، خاصة من الإمارات، التي تؤدي إلى إطالة أمد الصراع وتعطيل التنمية والاستقرار. إن الضغط الدولي والمحاسبة الصارمة على التدخلات الخارجية يمكن أن يكون خطوة حاسمة نحو تمهيد الطريق لحل سياسي يضمن للسودان السيادة والاستقرار ويحقق طموحات الشعب السوداني في الأمن والتنمية.