لهم الدنيا ولنا الجنة، قالها محدثي في مكان عملي و أمارات الايمان التام بختمه لحقيقة الوجود تعلو محياه، ابتسمت بتكلف شديد لخاتمته التي اختارها لدردشة خفيفة عن المدى الذي وصلته بعض الشعوب من رفاهية وتطور ومدى الزمن الذي سوف تستغرقه شعوب أخرى لتصل الى ما وصلوا إليه، ارتديت قناعي المعتاد وأومأت برأسي موافقا في ممارسة روتينية لا مناص منها لما عرف في الفقه الاسلامي (بالتقية) انا اتمثل جيدا بإخوتي المؤمنين ولا أرى ضيرا في الاستفادة من منجزات الاخرين وتحقيرهم في الوقت ذاته، لقد انتزعت مسبقا قلم هومر الشهير وأصبح وعيي مسرح جريمة لمقتل براءتي و يقيني بالبديهيات في محيطي وما عادت هذه الكليشيهات الايمانية تأتي بفائدة لي الا انهائها مبكرا لبعض النقاشات العقيمة التي ما كان لي ان اخوض فيها اصلا منذ البداية.
شعب الله المختار وخير أمة اخرجت للناس يقدر أناسها بربع تعداد الكوكب تقريبا حاليا، ثاني الديانات اعتناقا بعد المسيحية، سبعة مليار نسمة ربعهم فقط في رحمة الله ولهم حظ في جنته ورضاه، مهلا العدد أقل من ذلك فهناك فرق ومذاهب ومتخاذلين متكاسلين عن الفروض الأساسية مهددون كذلك بالذهاب إلى الجحيم مع بقية الكوكب، هي فرقة واحدة ناجية وما دونها سيصلى نارا ذات لهب.
ككل ديانة محترمة ولها مكانتها، الله اختص أهل الاسلام وحدهم برحمته وحدد كتابهم كمرجع وحيد للنجاح في امتحانه، رسولهم هو آخر المبعوثين ولا تعقيب على ما جاء به، قد كسب ونجى من اتبعه وهلك من ضل عنه، حقيقة الوجود هو ممارسات شعائر مسجلة منذ آلاف السنين وبالطبع تقديم الطاعة الكاملة للرب و لمبعوثيه الذين يحملون كلمته و... سيفه في الأرض.
الإله اياه في مفهوم جميع الديانات متهم بالوقوف في صفهم جميعا ضدهم البقية، كل مجموعة لها تعاليم وشعائر تختلف وتتشابه وبل تتناسخ مع مجموعات أخرى ورغم وحدة الهدف فإن هذا الإله لابد وأن يختار أحداها كممثل شرعي وحيد له في هذه الأرض.
عدد الديانات المعروفة في العالم يقدر بأربعة آلاف ومائتي ديانة. مائة و خمسون منها مسجل عبر التاريخ ان لها اتباعا يفوقون المليون مؤمن يرددون بأن اديانهم هي الصواب وما دونها الضياع و مرده العذاب، لو أخرجنا اللادينيين خارج الحسبة وهم لا يمثلون الا خمسة عشر بالمائة من سكان الارض فان البقية إلا قليلا ممن يعيشون خارج مجرى التاريخ يعتقدون انهم الشخصيات الرئيسية في هذا المسرح العظيم المتمثل بكوكب الأرض، الجزء من المجموعة الشمسية الجزء من مجرة درب التبانة الجزء من المجموعة المحلية للمجرات الجزء من عنقود العذراء للمجموعات المحلية الذي يمثل نقطة في الكون المعروف للبشرية والذي يمثل ذرة رمل لما يعتقد انه موجود خارج ادراك البشرية اليوم.
كون عمره يقارب الأربعة عشر بليون سنة تبعد فيه الارض من اقصى نقطة فيه ستة واربعون بليون سنة ضوئية والسنة الضوئية تعادل اربعة فاصل اربعة تريليون كيلومتر، كوكبنا الأرض أقرب جسم له وهو القمر يبعد عنه بما يوازي مساحة ثلاثون ارضا مصطفة والمريخ اقرب طموحات البشرية تصديقا لتأهيله كوطن بديل يبعد مائتين و خمسة وعشرون مليون كيلومتر، وأهم انجازات الفضاء الحالية المركبة فيوجر المتجهة الى أقاصي الكون بسرعة سبعة عشر كيلومتر في الثانية ستحتاج الى ثلاثين الف سنة حتى تخرج فقط من المجموعة الشمسية لتصل لأقرب مجموعة شمسية (بروكسيما سينتوري) التي تبعد عننا اربعة فاصل اربعة تريليون كيلومتر ستحتاج فيوجر للوصول إليها سبعين الف سنة في مسار مستقيم وللامعان في التوضيح ستحتاج لو قدت بسيارة تسير بسرعة مائة كيلومتر في الساعة الى ما يعادل عمر الكون ستة مرات حتى تصل الى البروكسيما سنتوري و بالتأكيد لن تكون موجودة هناك عندما تصل.
مع كل هذه الحقائق العلمية المخيفة تعتقد مجموعة لا تقاس بضئالتها ان هناك مصمم أعظم او خالق نصب هذا المسرح الجبار لأجلهم وحدهم و لأجل الاستمتاع فقط برؤيتهم يمارسون يوميا ترانيم و حركات جسدية لتذكيره بعظمته، كلما اكتشفت البشرية شيئا جديدا عن هذا الكون كلما زادت اسئلتها و ظهرت معها الاشكاليات الوجودية المعتادة، نتحدث طبعا عن فئة معينة منها لا تلك التي تنتظر بشوق البوفيه المفتوح و دار الدعارة المرخصة في الاخرة، هناك سؤال ربما يكرر كثيرا بين العلماء و يثير خيالات الحالمين الخاص، هل نحن وحدنا في هذا الكون ؟لكن هذا السؤال يمكن ان يصاغ بطريقة أخرى، هل هذا الكون مصمم لنا اصلا ؟هل كنا يوما الهدف فعلا من وراء خلقه، لا ننسى اننا مؤمنون بوجود خالق و بوحدانيته، في هذه المرحلة على الأقل.
كارل ساغان هو أحد أشهر الفيزيائيين الفلكيين وتحدث عما يسمى بالتقويم الكوني وهو حصر عمر الكون في سنة ارضية واحدة مكونة من اثني عشر شهرا بافتراض ان الانفجار الكبير بداية نشأة الكون سيكون في يناير فان مولد مجرة درب التبانة سيصادف مايو و نشوء الشمس و الارض سيكون في منتصف سبتمبر ولن تظهر البشرية نفسها الا في آخر ساعة من آخر يوم في ديسمبر وتاريخها المسجل سيكون في الثواني الاخيرة من آخر دقيقة في ذلك اليوم.
مسرح جبار وحضور متواضع لأهم فرسانه في لحظات متأخرة جدا منذ افتتاحه، التشبيه الأمثل لما تمثله البشرية للكون هو وجود داخل لمبة ضوئية صغيرة ضمن كوكب كامل أضيئت في آخر ثانية في السنة. يقدر العلماء أن هناك أماكن في الكون ستموت وتختفي قبل أن تصل اليها معرفة البشرية وأماكن أخرى يستحيل أن تكتشفها البشرية على الإطلاق حتى لو عاشت للأبد فإن تمدد الكون وابتعاد بعض المجموعات بسرعة أكبر من ارتداد الضوء منها يجعل الامر حسابيا مستحيلا، أماكن لن نستطيع اكتشافها يوما أو الوصول إليها لكن جميع حساباتنا وعلومنا تجعلنا على يقين من وجودها.
يبدو وأنها مصممة لأجل الاغاظة فقط ومع كل الصفات الانسانية التي أسبغت على الإله الذي خلق هذا الكون اللامتناهي منذ فجر تاريخ الديانات لا أدري ما المانع من اضافة حس الدعابة اليها كذلك. البشرية يبدو أنها تتباطئ في قدراتها علميا، حجم الانجاز العلمي أصبح افقيا يركز على التدقيق و تجويد ما هو موجود أصلا و تغير الحال عن ما كان في القرن الماضي الذي شهد اكتشافات غيرت حياة البشرية تماما، عمر الكوكب في تناقص و الشمس وصلت الى منتصف عمرها الافتراضي و لم يتبقى لها الا أربعة بليون سنة حتى تنطفئ كأي نجم آخر لكن كوكبنا الحبيب سيموت سريعا قبل ذلك و لن يصمد بعد البليون سنة القادمة عندما يزيد اشعاع الشمس بمقدار عشر بالمائة بما يكفي لإذابة المحيطات والمياه على الكوكب و يصبح كوكبا غير مأهولا بعدها. للمصادفة حينها فقط سيصبح المريخ كوكبا مأهولا وهو ما يتم عبر استقرار حجم المياه فيه .. هيا هيا ايلون ماسك
هذا طبعا بافتراض ان البشرية لن تقضي على نفسها بنفسها لو واصلت عملية الاستهلاك الجنوني لموارد الكوكب الطبيعية أو دمرتها التكنولوجيا التي ابتكرتها لرفاهيتها، ديستوفيسكي ذكر أن التكنولوجيا زادت من توحش البشرية وسهلت لها القتل والدمار وقللت من تبعات ذنبها النفسي على الفاعلين.
المراد ان لا شيء يوحي بأهمية هذا الجنس الحي المسمى بالبشر مقارنة بعظمة الكون وأقدميته، لا وجود آخر ملاحظ يمكن ان يستدل بوجوده على أن الرسالة كانت موجهة لهم بدلا عن البشرية، أحيانا أبسط التحليلات هو اكثرها صحة، لا وجود لرسالة والحقيقة الأوضح هي اننا نتاج طبيعي لعملية احيائية احتاجت لظروف ونسب معينة حتى تتم، الحاجة من وجود البشرية لا تختلف عن الحاجة من وجود الحيوانات و النباتات و الحشرات و حتى الاحياء المجهرية و الصخور، وجود لا يوجد ما يبرره.